As Safir Logo
المصدر:

من دون اذن من احد ولا نصيحة من ساترفيلد وتحت وابل من رصاص الاحتلال ارنون اولا الى الحرية بانتفاضة طلاب لبنان(صورة)

المؤلف: الصايغ نصري التاريخ: 1999-02-27 رقم العدد:8235

من دون إذن من أحد .. ولا نصيحة من ساترفيلد .. وتحت وابل من رصاص الاحتلال »أرنون أولاً« إلى الحرية ... بانتفاضة طلاب لبنان ****** كتب نصري الصايغ بعيداً عن »نصائح« ساترفيلد... من دون اذن »مسبق« من واشنطن... ولا انتظار لنتائج الجدل المعاد في لجنة »تفاهم نيسان« المقيمة في الناقورة، كحائط مبكى... من دون أي حساب او تقدير للمقاييس والموازين التي تحكم الخطوات »المدروسة« التي تقدم او لا تقدم عليها الخارجية اللبنانية... أعلن طلاب لبنان أمس: »أرنون أولاً«! كانت أرنون قرية لبنانية محررة. ومنذ تسعة أيام، قررت إسرائيل ضمها الى أسرة القرى المأسورة في الجنوب المحتل، فأحاطتها بقسوة الاسلاك الشائكة ومن ثم... اطمأنت الى ان لبنان سيشكوها الى لجنة التفاهم، حيث الكلام يتساوى مع الصمت، او سيحاول قرع باب مجلس الأمن، لكن يد لبنان قصيرة، ولن تصل الى هناك. وفي اليوم التاسع، حدث ما يلي: الذين حملوا الشموع واليافطات... الذين خرجوا من المدارس والجامعات اللبنانية قبل أيام، واعتصموا في الليالي أمام مقر »الاسكوا« في بيروت، قرروا أن ينصبوا اعتراضهم على الاحتلال، على مقربة من الاسلاك الشائكة... على تخوم أرنون، التي تنتظر صبراً إضافياً... وفرجاً موعوداً. عندما وصل الشباب والطلاب وترجّلوا من باصات نقلتهم من بيروت، حدث ما يلي: كانوا ينشدون الاغاني الوطنية، ويهتفون لأرنون الأسيرة، ويكبرون ويرفعون الاعلام، إلا ان بعضهم قرأ: »احذروا الالغام«. فبين الشباب وأرنون، اسلاك تجرح و»ألغام« تقتل. دون تحضير مسبق، بلا قرار من فوق، حدث ما يلي: اجتاحوا الاسلاك، ومشوا فوق الالغام الوهمية في وقت كانت النسوة في الطرف الآخر من الشريط، »يحرِّضن« الطلاب على التروي، خوفاً من قصف إسرائيلي... وبسرعة ردت إسرائيل وقوات لحد على هذه الحركة، برشقات نارية بعيدة، فتراجع الشباب قليلاً، واحتموا للحظات، ثم عادوا افواجاً، واقتحموا الاسلاك. كان العبور الى »الوطن« المستعاد في أرنون بعرض 10 امتار فقط، ثم، بأيديهم، تدافع الشباب، فأزالوا مئات الامتار من الاسلاك، وانتزعوا اعلانات التحذير من الالغام، واستعادت أرنون نافذتها الى لبنان... قبل هذا اليوم لم يحدث ما حدث. فلأول مرة في تاريخ مواجهة الاحتلال، بغير الطرق العسكرية القتالية التي تقودها المقاومة الباسلة، يتقدم ألف طالب وشاب من الجامعات اللبنانية، من كل الاحزاب والقوى والطوائف والمناطق، من دون سلاح، ويقرعون بقبضاتهم الصغيرة والقوية، صدر الاحتلال، الذي ظلّ صامتاً، مندهشاً، لا يعرف ماذا يفعل، حتى مساء أمس. اذن: كانت كبيرة جداً وواسعة جداً ومعبرة جداً هذه الانتفاضة الشجاعة التي بادر اليها الطلاب، الذين »فتحوا« أرنون، فأضحت بعد ساعتين »مزاراً« لوفود من المدن والقرى الجنوبية، وفعالياتها السياسية والدينية. اذن: طلاب لبنان اعلنوا للقاصي والداني، ان حركتهم العارية من السلاح، المجردة من الكياسة الدبلوماسية، قادرة على تعرية سلاح الاحتلال، كما على تعرية دبلوماسية الداعين له. اذن: عادت أرنون، وعاد اليها اهلها الذين انتظروها خارج الاسلاك، تسعة أيام وساهموا في استقبال الحشود التي أمّت البلدة، فانتظم الجميع على ايقاع »منتصب القامة أمشي«، »بالروح بالدم نفديك يا أرنون«... وعلى وقع حداء الفرح الذي شغل القلوب، غنّى الجنوب، وانتظمت الدبكة، احتفالاً بإلغاء »الحصار«. وعندما أُزيل السياج بكامله حمل بعض الشباب من ذلك السياج، قطعا صغيرة للذكرى إذ تنفع الذكرى. بحلول الساعة الرابعة بدأت »وفود المحرّرين« بالعودة، ونتج عن ذلك زحمة سير خانقة، ولكن بلا تذمر، فقد كانت مئات السيارات تحمل الى جانب الأهازيج والأغاني رجالاً يرفعن راية النصر وفتيات يبتسمن والدمع في عيونهن. هذا الحدث الأول ترك بصماته في العاصمة أولا، وحرّك الاتصالات بين العواصم المعنية. فلدى وصول المعلومات الى القصر الجمهوري، بادر رئيس الجمهورية إميل لحود بإجراء اتصال برئيس الوفد اللبناني في لجنة »تفاهم نيسان« العقيد ماهر الطفيلي، وطلب منه أن ينقل الى رئيس اللجنة مندوب الولايات المتحدة الأميركية السفير ريتشارد اردمان ضرورة إبلاغ الجانب الاسرائيلي ان لبنان يحمّل إسرائيل مسؤولية كل إصابة تقع في صفوف المدنيين اللبنانيين. وكان لحود قد وجّه تحية الى أهالي ارنون والمواطنين اللبنانيين لخطوتهم الجريئة بإزالة الشريط، داعيا الى استمرار المواجهة حتى عودة البلدة الى أهاليها. رئيس الحكومة سليم الحص انحنى إجلالا لهذا العمل المجيد. وقال عن المسيرة التي تحدّت الحصار الإسرائيلي بالأكف العارية »لقد كان ذلك آية من آيات البطولة في الدفاع عن حق وطني مشروع«. الرئيس رفيق الحريري حيّا الانتفاضة البطولية من مكان وجوده في ولاية كليفلاند في الولايات المتحدة الأميركية. وقال: »ان مثل هؤلاء الشبان المقاومين يزيدنا أملا بتحرير أرضنا«. ماذا بعد؟ من المتوقع أن لا تعود أرنون الى أيامها التسعة فبناء على اتصال أجراه لحود برئيس لجنة تفاهم نيسان، أجرى اردمان اتصالات بالمندوب الاسرائيلي، وأبلغ مساء نتيجتها الى لبنان وخلاصة الأمر ان إسرائيل وافقت على إعادة الأمور الى ما كانت عليه أرنون، مقابل وقف التظاهرات والتجمّعات، والأعمال المخلّة بالأمن«. لكن الجانب اللبناني أصر على عمل المقاومة المشروع، ولم يلتزم بوقفه أبدا، ونتيجة الاتصالات وافقت إسرائيل على رفع السواتر والأسلاك الشائكة وعودة الوضع في ارنون الى ما كان عليه. وتلقى رئيس مجلس النواب نبيه بري اتصالا هاتفيا من القائم بالأعمال الأميركي دايفيد هيل، الذي أبلغه ان الادارة الأميركية مارست ضغوطاً على إسرائيل حتى لا تعيد ضمّ البلدة مجددا. وأكدت أوساط رسمية ل»السفير« ليلا ان لبنان سيجمّد كل حركته واتصالاته الدبلوماسية التي بدأها بشأن أرنون في حال لم تصدر ردة فعل من الجانب الاسرائيلي على تحرير البلدة. وأضافت ان لبنان يرصد الآن رد الفعل الاسرائيلي وجدية ما قد تعد به. فإذا قامت بإجراءات مماثلة لعملية الضم، فسيواصل تحركه الخارجي في مواجهتها، وفي حال العكس يجمّد كل شيء. وكشفت الأوساط ان ردود الفعل الدبلوماسية كانت ايجابية، وقد تلقى لبنان أكثر من اتصال ولكن هذه الأوساط رفضت الكشف عن هوية الدول المرحّبة. إسرائيل، التي صمتت على ما حدث في أرنون، حملت تصريحات وزير دفاعها موشي أرينز ندما على قبول إسرائيل بلجنة »تفاهم نيسان«، وقال أرينز لصحيفة »معاريف«: »لو كان الأمر عائداً لي، لما كنت وضعت هذا الاتفاق الذي يقيّد حرية تحركنا... ان عدم الرد يضعنا في خط يؤدي الى تآكل قوة الردع التي نتمتع بها«. أمس، كان يوما مختلفا. انه يوم، يشبه الأعياد الكبيرة. انه يوم يدعو للاحتفال به، والاقتداء أيضا.

البحث في الأرشيف الكامل لجريدة "السفير" safir small logo

الكلمات الدالة