As Safir Logo
المصدر:

في ظل الفوضى وغياب التراخيص والمعايير البيئية والمراقبين زيادة في عدد المولدات الكهربائية مع زيادة الانبعاثات

مولدات بحجم بنايات (م.ع.م)
المؤلف: قبيسي فاتن التاريخ: 2006-10-17 رقم العدد:10529

بدا لافتا في الفترة الاخيرة، ولاسيما اثر العدوان الإسرائيلي الأخير، الزيادة التي طرأت على عدد المولدات الكهربائية التي غزت بيروت والمناطق. ولاسيما بعد التقنين الكهربائي القاسي الذي تنامى في بعض المناطق. في احياء عدة تعلو الصرخات من ضجيج المولدات وانبعاثاتها الملوثة. وفي كل مرة يحلم المتضررون بالفرج، وبعودة كهرباء الدولة بشكل كامل، تطرأ مشكلة تزيد من تفاقم الوضع، إما التأخير في فتح اعتمادات لشراء المحروقات، او استهداف معامل انتاج الكهرباء من قبل العدو الاسرائيلي. وتبدو هذه الظاهرة آخذة في الاتساع، برغم تداعياتها الخطيرة، علماً ان حجم الطاقة الاجمالي للمولدات الخاصة، حسب مصدر في مؤسسة كهرباء لبنان يفوق خمسمئة ميغاوات، اي ما يوازي ثلث حجم الطاقة التي تنتجها فعلياً المؤسسة، والبالغة حوالى الف وخمسمئة ميغاوات. (الطاقة الاسمية تقارب الفي ميغاوات). صحيح ان معضلة كهرباء لبنان بشكل عام تفرض على الكثيرين اعتماد مولدات خاصة، الا ان المشكلة تتمثل بالفوضى الكبيرة التي يغرق فيها هذا القطاع، لا سيما وان تأمين الطاقة البديلة ليس الهدف المشترك بين هؤلاء، بل تخفيض الكلفة قياساً الى الفاتورة الرسمية. تُشغّل المولدات الخاصة غالباً خلال ساعات الذروة، التي تدخل في اطار التعرفة المثلثة ، وهي التعرفة الخاصة بالصناعيين. لذلك يعمد بعض اصحاب المؤسسات التجارية الكبرى الى تسجيل شركاتهم على انها صناعية للحصول على التعرفة الخاصة. وابرز تداعيات الامر هو حرمان كهرباء لبنان من عائدات اضافية تحتاجها لتقليص عجزها. غير ان ظاهرة بيع الطاقة للعموم من خلال مولدات خاصة كبيرة تتوزع هنا وهناك، تبقى الاكثر نفوراً. وبين الاستخدام الخاص والعام تتحول بعض الاحياء، خلال ساعات الذروة تحديداً، الى معامل للتلوث، مع ما يعني ذلك من ضجيج وانبعاثات سامة وضرر بيئي، يهدد صحة الناس ويقلق راحتهم. زيادة 40? في عدد المولدات وبلغة الأرقام كان هناك اكثر من 370 الف مولد كهربائي خاص في لبنان في بداية الالفية الثالثة، وتم استيراد 86 الف و785 مولداً بين العامين 2001 و.2005 وبحسب دراسة اعدها الباحث الاقتصادي والاجتماعي الدكتور ميشال مرقص، قارب العدد 457 الف مولد حتى العام الماضي. ويقدرمرقص الزيادة التي طرأت في العام الحالي بحوالى 40?، بسبب زيادة التقنين، لا سيما بعد العدوان الاسرائيلي الاخير، وزيادة الانفاق مع ارتفاع اسعار المحروقات. اكثر من نصف الاسر اللبنانية لديها اشتراكات هذه القفزة في عدد المولدات، يقابلها بديهياً زيادة في المشتركين. بين عامي 1996 و,2005 ارتفع عدد الاسر اللبنانية التي تستمد الطاقة الكهربائية من مولدات خاصة، من 216 الف اسرة الى حوالى 500 الف، اي من 6,33? من مجموع الاسر الى 57?. علماً ان 8,99? من الاسر مرتبط بالشبكة العامة لتوزيع الكهرباء. وذلك استناداً الى دراستي مديرية الاحصاء المركزي حول الاحوال المعيشية للاسر، ومسح المعطيات السكانية لكل من وزارة الشؤون الاجتماعية وصندوق الامم المتحدة للسكان. ولكن الارقام حول عدد المولدات لا يقابلها بالضرورة ارقام بشأن حجم الانبعاثات السامة الصادرة عنها وتاثيرها على الصحة العامة. الامر لا يتعلق فقط بالمولدات، ولكن هناك عوامل اخرى تساهم في زيادة الانبعاثات وتلوث الهواء، يجب دراستها كالمعامل ومحارق النفايات وغيرها ، تقول الاخصائية البيئية في مصلحة حماية البيئة السكنية في وزارة البيئة الفت حمدان، يصعب الفصل بين مصادر التلوث المتعددة، ولاسيما من دون وجود أجهزة قياس كبيرة . ولكن اليس هناك مواصفات للمولدات وانبعاثاتها؟ اليس هناك من قانون ينظم عملها؟ ما هو واقع المولدات القانوني؟ المولدات الكهربائية مؤسسة مصنفة تخضع للمرسوم رقم 4917/94 حول تعديل تصنيف المؤسسات الخطرة والمضرة بالصحة والمزعجة . وتستوجب الاستحصال على ترخيص من المحافظ، اذا كانت مصنفة فئة اولى او ثانية، ومن القائمقام في حال كانت فئة ثالثة. ويعطى الترخيص لهذه المولدات (يفترض ان تكون في غرف مستقلة) على مرحلتين: رخصة انشاء ورخصة استثمار. اما المؤسسات الصناعية فتخضع للمرسوم رقم .5243 ويفترض ان يستحصل اصحابها بفئاتها الخمس على ترخيص من وزير الصناعة. وفي كلا الحالين تبدي وزارة البيئة رأيها بطلبات الترخيص. واذ تتحدث حمدان عن الفوضى المنتشرة في هذا القطاع، جراء عدم ورود اي طلبات ترخيص الى المصلحة المختصة في وزارة البيئة من قبل اصحاب المولدات عبر المحافظ، وعدم التزامهم بالشروط البيئية والصحية والمواصفات الفنية، التي من خلالها يمكن التوصل الى معالجة الملوثات... يشير محافظ بيروت بالوكالة ناصيف قالوش الى ان عدد التراخيص المعطاة قد بلغت 11 ترخيصاً في العام الحالي، و12 ترخيصاً العام ,2005 و16 ترخيصاً العام ,2004 و22 ترخيصاً العام .2003 وحول سبب تغييب رأي وزارة البيئة في اعطاء التراخيص، يشير قالوش الى ان التراخيص تعطى بناء على اجتماع المجلس الصحي برئاسته، وحضور مندوب عن كل من الوزارات: البيئة، الصحة، العمل والشؤون الاجتماعية. ولا شك ان عدد التراخيص محدود جداً قياساً الى عدد المولدات الاجمالي في لبنان. ما يعني ان الجزء المقونن هو الاستثناء وليس القاعدة. ولكن حتى المرّخص لهم لا يتقيدون كلهم بشروط الترخيص. واهم هذه الشروط التي لا تحترم، هو استخدام المولدات للإنارة الاحتياطية فقط. بل ان بعض اصحابها يستغني عن كهرباء لبنان ليستخدم مولداته، خصوصاً خلال ساعات الذروة. ويقول مصدر في كهرباء لبنان ل السفير : ليس هناك مانعاً قانونياً من استخدام المولدات الخاصة، في حال انقطاع الكهرباء، شرط الا يبيع مالك المولد الطاقة للغير . هذه المولدات التجارية التي تعمل بمعظمها في الهواء الطلق، غير خاضعة للترخيص، شأنها شأن المولدات الخاصة التي لا تعمل ضمن غرفة مستقلة. وبسبب عدم وجود مسوغ شرعي لهذه الفئة، وتزايد شكوى المواطنين من الضرر البيئي اوائل التسعينيات، صدر بشأنها بلاغ رقم 13/,93 عن محافظ بيروت، يفرض حسب نصه عدم الحاق الضرر والازعاج بالغير. ويلزم أصحاب المولدات التي تزيد قوتها عن خمسة ك.ف.أ. تجهيزها بكواتم للصوت، وتصريف للغازات الناجمة عنها بطريقة تمنع التلوث في المحيط، حفاظاً على الصحة العامة، تحت طائلة ايقافها عن العمل وختمها بالشمع الاحمر . ولكن المفارقة الاولى هي ان البلاغ الذي صدر كتدبير مؤقت ، بلغ عمره حتى اليوم 13 سنة! والمفارقة الثانية انه جاء تحت عبارة: بسبب الوضع الاستثنائي للتيار الكهربائي في بيروت . ما يعني انه ينطبق فقط على بيروت من دون المناطق، وكأن المشكلة محصورة في منطقة من دون اخرى! وحتى ضمن نطاق العاصمة، لا يجد هذا الاجراء القانوني طريقه الى التطبيق غالباً. لا مراقبة الا بناء على شكاوى اذن لماذا لا تتم ملاحقة المخالفات، التي تبدأ من عدم الاستحصال على ترخيص، مروراً بتشغيلها خارج الانارة الاحتياطية، وصولاً الى عدم التقيد بالمعايير التي تمنع الضرر البيئي؟ لا تقوم الجهات المعنية بهذا الدور الا بناء على شكاوى من المواطنين. وهناك ثلاث مرجعيات لتقبل الشكاوى: وزارتا البيئة والصحة والبلديات الممثلة بالمحافظين كسلطة تنفيذية. وحتى ضمن هذا الهامش لا يمكن لوزارة البيئة على سبيل المثال الاحاطة بكل الشكاوى الواردة من المحافظات، برغم قلتها، قياساً الى العدد الفعلي للمتضررين. ويكفي معرفة ان المصلحة المختصة قامت بالكشف على سبع مولدات فقط في العام الحالي، من اصل 28 شكوى، حتى نعلم حجم المشكلة الناتجة عن عدم وجود دوائر لها في المناطق، والنقص الفادح في الكادر الفني، الذي يقتصر على 38 فنياً من اصل 190 فنياً وادارياً، لحظهم مشروع مرسوم تنظيم الوحدات التابعة لوزارة البيئة وتحديد ملاكها ومهامها . وحتى المحافظة في بيروت تعاني من المشكلة ذاتها، حيث لديها خمسة مراقبين فقط اليوم من اصل 46 مراقباً في الملاك. اما بشأن عدد الشكاوى، فقد بلغت لدى محافظ بيروت 25 شكوى في العام الحالي، عشرة فقط العام ,2005 و19 العام .2004 وبلغ العدد لدى مصلحة حماية البيئة السكنية في وزارة البيئة: 28 شكوى في العام الحالي، 18 شكوى (2005)، 22 شكوى (2004)، 9 شكاوى (2003)، يتمحور معظمها في جبل لبنان. اما وزارة الصحة فتختلف آلية العمل لديها، حيث تعمل من خلال المصالح التابعة لها في المحافظات باستثناء بيروت. ويصعب تحديد الارقام لتنوع المصادر في هذا المجال. ولكن حتى الشكاوى التي ينظر بها، لا يتم متابعتها من قبل بعض الجهات المختصة للتأكد من التزام المخالفين بالمعايير المطلوبة. هناك مولد واحد في منطقة عائشة بكار تم اقفاله في العام الحالي بالشمع الاحمر. التداعيات البيئية ينعكس تشغيل المولدات الكهربائية، بطريقة عشوائية وبمواصفات فنية غير ملائمة، سلباً على سلامة البيئة والصحة العامة واستدامة الموارد الطبيعية. كما ينتج عن ذلك غازات العدم المؤلفة من اكاسيد الكربون واكاسيد النيتروجين واكاسيد الكبريت والغبار (الشحتار)، والناتجة عن عمليات احتراق المشتقات النفطية المستعملة لتوليد الطاقة الكهربائية، بحسب حمدان. وتنتج عن عمليات صيانة المولدات كميات من الزيوت والشحوم المستعملة. كما تشكل المولدات مصدراً للتلوث الضوضائي. ولا دراسات حتى الان لرصد حجم الضرر الذي تنتجه المولدات ، لا من ناحية الانبعاثات والغازات السامة وانعكاسها على الصحة ، ولا من ناحية الضجيج.

البحث في الأرشيف الكامل لجريدة "السفير" safir small logo

الكلمات الدالة