للوهلة الأولى، يصعب إيجاد صفات مشتركة بين لبنان وبولنده، على الرغم من وجود واحدة في غاية الأهمية وهي عمل الذاكرة على الصعيد الوطني. مع خروج القوات السورية من بلاد الأرز، سيضطر اللبنانيون، عاجلا أو آجلا، إلى مواجهة تاريخهم. اضطر البولنديون، الذين خضعوا للوصاية السوفياتية بين العامين 1947 و1989، إلى ادارة نقاش من النوع ذاته. وهو نقاش أعيد إطلاقه في بداية شباط مع نشر صحافي بولندي، عبر شبكة الانترنت، حوالى مئتين وخمسين اسماً لعملاء سريين شيوعيين مفترضين. وقد قام الصحافي برونيسلاف ويلدستين، بنسخ هذه القائمة عن منشور صادر عن »معهد الذاكرة الوطنية«، وهو هيئة عامة انشئت في العام 2000 للتحقيق في الجرائم المرتكبة خلال الحقبتين النازية والشيوعية. والمعهد منخرط أيضا في قضية أخرى أثارت ضجة كبرى هي قضية الأب هجمو المقرب من البابا يوحنا بولس الثاني، والذي اتهم بأنه كان يتجسّس على البابا البولندي الذي توفي في نيسان الماضي. ومنذ بداية حزيران، كان المعهد يؤكد أن الأب هجمو كان فعلا على علاقة وعلى اتصال بعملاء تابعين لأجهزة أمنية شيوعية سرية مختلفة وكان يزوّدها بمعلومات تتعلق بحياة البابا. المعرفة تحررنا وقد أثار نشر »قائمة ويلدستين« على الانترنت استنكارا فعليا في البلاد، وتهافت المئات على شبكة الانترنت لتفحصها. ويشرح يان زارين، المؤرخ والباحث في المعهد انه »بين العامين ألفين و2005 زار المعهد خمسة عشر ألف شخص فقط للبحث في الأرشيف. أما بعد نشر القائمة فقد وصلتنا آلاف الطلبات يوميا من أجل زيارة الأرشيف«. وأرشيف المعهد متاح للمؤرخين والصحافيين والأفراد الذين يخشون أن تكون لهم ملفات خلال الحقبة الشيوعية. بالاضافة إلى أنه لم يكن من المفترض نشر قائمة الاسماء هذه علناً، فإن توزيعها أثار جدلا كبيرا بسبب طبيعتها بحد ذاتها. ويشرح زارين »ليس على هذه القائمة سوى اسم الشخص واسم عائلته. ليس عليها تواريخ الميلاد أو أسماء الآباء أو الامهات. والقائمة لا تشمل فقط أسماء عملاء، بل أيضا أسماء موظفين، ومقيمين غير شرعيين، ومعارضين وضحايا أجهزة الاستخبارات ومرشحين محتملين معتقلين من قبل الشرطة السرية من دون علمهم... القائمة وحدها لا تسمح بتحديد من كان يفعل ماذا...«. وعلى الرغم من السبل الملتوية التي استخدمها هذا الصحافي، الذي طرده رب عمله أصلا، الا أن يان زارين لا يبدو غير راض عن نشر القائمة. يقول »أعتقد أن ويلدستين أراد خلق نوع من الصدمة، وإيقاظ الضمائر، وذلك في سياق سياسي تميزه مساع لاستعادة السلطة من قبل عناصر من الشيوعيين الجدد«. وفعلا، منذ نشر القائمة، تضاعفت النقاشات في بولنده حول احتمال فتح ونشر مجمل محتويات الارشيف أو عدمه. بالنسبة ليان زارين، يمكن تلخيص النقاش برؤيتين »البعض يرغب في ترك محتويات الارشيف مغلقة، وعدم النظر إلى الخلف والتركيز فقط على المستقبل. بالنسبة لهؤلاء، ومنهم الشيوعيون الجدد، فإن الماضي يفرق ويعرقل أي بنية وطنية. وهناك بعض آخر يرى أنه يتعين فتح الملفات اذ يرون أن من المستحيل إقامة نظام ديموقراطي بوجود بقايا الأمراض الناجمة عن الحقبة التوتاليتارية«. أما يان زارين فقد اختار معسكره »يجب فتح الملفات لأن المعرفة تحررنا«.