يرجع الإرهاب الصهيوني الى اكثر من نصف قرن، منذ احتلال الصهاينة لفلسطين (وجوارها)(1)، بدءاً من اغتيال الكونت »فولك برنادوت« في 17 ايلول عام 1948، مروراً باغتيال العديد من من المناضلين الفلسطينيين في ارجاء متفرقة من العالم، وكذلك تدمير القرى العربية بعد طرد اصحابها منها، مثل إقرت وكفر برعم المسيحيتين، على الحدود الفلسطينية اللبنانية (5 ت2 و15 ك2 1949)، ثم عمليات القتل الجماعي في بيت جالا وقبية وكفر قاسم ودير ياسين وقرى صفصاف وصلحة وعيلبون وكفر عانة، وحولا، في الجليل الاعلى. شواهد لا تزال تنطق بفظاعة الارهاب الصهيوني عبر تاريخه في احتلال فلسطين، ولكن لا احد يحاسب هذا الشرير المتمرد على قوانين الانسانية كلها، بما فيها قوانين الامم المتحدة، وقرارات مجلس الامن، في نيويورك. وللجليل الاعلى قصة تعود الى العام 1861، يوم اقترح الجنرال الفرنسي »دي بوفور دوتبول« قائد »الحملة الفرنسية على سوريا«، في تقرير له بتاريخ 15 شباط 1861، إنشاء »دولة لبنانية« تكون حدودها الجنوبية »الحدود الحالية لمناطق الحولة وبلاد بشارة«، وقد ادخل »الحولة« في »الكيان اللبناني المقترح«، الامر الذي اثار، في ما بعد، »المنظمة الصهيونية العالمية« التي شرعت، منذ الربع الاخير من القرن التاسع عشر، بالسعي لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، بل إنها وضعت »لهذا الوطن« حدوداً تضم، في الشمال: الجليل الاعلى، بما فيه منطقة »الحولة« بالذات. وفي الثالث من شباط 1919 رفعت المنظمة الصهيونية العالمية، بدعم من وزارة الخارجية البريطانية، مذكرة رسمية الى المجلس الاعلى لمؤتمر الصلح المنعقد في (فرساي) بفرنسا، ومن ضمن ما طالبت به هذه المذكرة، حدوداً لفلسطين اسرائيل المستقبل »تبدأ في الشمال عند نقطة على شاطئ البحر الابيض المتوسط في جوار مدينة صيدا وتتبع مفارق المياه عند تلال سلسلة جبال لبنان حتى تصل الى جسر القرعون فتتجه منه الى البيرة متبعة الخط الفاصل بين وادي القرعون ووادي التيم، ثم تسير في خط جنوبي متبعة الخط الفارق بين المنحدرات الشرقية والغربية لجبل الشيخ (حرمون) من جوار بيت جن«. وما ان باشرت بريطانيا بممارسة انتدابها على فلسطين حتى بدأت، بتأثير من الضغط الصهيوني عليها، تخطط لتنفيذ وعد بلفور الصادر عام 1917، والقاضي بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وبدأت الصهيونية من جانبها تمارس ضغطاً كبيراً على فرنسا، الدولة المنتدبة على لبنان وسوريا، كي تتمكن من اقناعها بالتنازل عن الحدود المرسومة حسب اتفاقية سايكس بيكو(*)، وذلك لمصلحة فلسطين، اي اسرائيل المستقبل ، وحركت الرأي العام اليهودي ضدها، ووقفت بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية الى جانب المطالب الصهيونية بينما اصرت فرنسا على موقفها المبدئي وتمسكها باتفاقية سايكس بيكو. وقام الجنرال البريطاني »أللنبي« بتعديل هذه الحدود لمصلحة الصهيونية، وذلك بان ادخل اراضي الحولة ضمن حدود فلسطين عندما دخل بجيوشه سوريا ولبنان. كما ابرق الى حكومته مؤيداً المطالب الصهيونية. وسعت شخصيات اميركية صهيونية المسعى نفسه، الا ان الجنرال غورو، قائد القوات الفرنسية في سوريا ولبنان آنذاك، رفض الاذعان لهذه المطالب رفضاً باتاً. وفي كانون الثاني عام 1920 أُلّفت في فرنسا حكومة اشتراكية جديدة، وقد اتخذت هذه الحكومة في سياستها بالشرق الاوسط خطاً متشدداً، بحيث ازدادت تمسكاً بالحدود المرسومة وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو، واوفدت الحركة الصهيونية احد قادتها (ناحوم سوكولوف) لمقابلة رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك، لكنه لم ينل منه اي تنازلات اقليمية. الا انه في منتصف العام 1920 اتفقت الدولتان الحليفتان، بريطانيا وفرنسا، على تخطيط الحدود بين سوريا ولبنان وفلسطين والعراق، ورسم الجنرال غورو الحدود الحالية للبنان في آب من العام نفسه، وبعد الاتفاق مع الحكومة البريطانية، فجاء هذا الاتفاق يسلخ عن المنطقة الزرقاء قطاع الجليل الاعلى بكامله ويضمه الى المنطقة السمراء اي الى فلسطين، فيحقق الصهيونيون جزءاً من اطماعهم بأرض لبنان، من دون ان يحققوا كل اطماعهم فيها. وقد عبر الصهيونيون عن سخطهم على هذا الاتفاق في المؤتمر الثاني عشر الذي عقدته منظمتهم سنة 1921 حيث اظهروا عدم رضاهم عن حل مسألة الحدود الشمالية مع دولة »لبنان الكبير« المنشأة حديثاً، زاعمين ان حل المسألة لم يكن لمصلحة الصهيونية ابداً، وجاء في القرار الذي اتخذه مؤتمرهم ذلك الحين ما يلي: »... ويجد المؤتمر نفسه ملزماً بالاعراب عن اسفه على ان مسألة الحدود الشمالية لارض اسرائيل لم تجد سبيلها الى حل مُرض حتى الآن، على الرغم من جميع المساعي التي بذلتها اللجنة التنفيذية... ويأمل المؤتمر ان تستجيب الحكومة الفرنسية لمصالح الشعب اليهودي وتفي بها«. لقد كان الحد الشمالي لفلسطين، وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو، يمر بالزيب شمال عكا حتى الطابغة شمال طبريا، وفي تشرين الثاني سنة 1918 رسمت اللجنة الاستشارية الصهيونية لفلسطين الحدود الشمالية للدولة اليهودية فجعلتها تمتد من الليطاني الى بانياس، وجاء هربرت صموئيل اول مفوض سام في فلسطين، وكان احد زعماء الصهيونية في بريطانيا، فاقترح ان تصل الحدود الشمالية لفلسطين حتى الضفة الشمالية لليطاني، وكان موقف بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية مؤيداً لهذه المطالب الصهيونية، الا ان فرنسا وقفت بحزم في وجه هذه المطامع، وكان اعلان فرنسا لدولة لبنان الكبير عام 1920 ضربة قاسية لمطامع الصهيونية في جنوب لبنان ومياه الليطاني، وان تكن قد تمكنت من اجتزاء الجليل الاعلى بكامله وهو جزء من بلاد بشارة او جبل عامل. وعندما وقع اتفاق الحدود بين بريطانيا وفرنسا في كانون الاول عام 1920، ورسم الحد الشمالي لفلسطين بحيث يمتد من رأس الناقورة غرباً حتى المالكية فالمطلة شرقاً، لم يُرض ذلك الحركة الصهيونية، وصبت جام غضبها على فرنسا، وحين صدر قرار التقسيم عام 1947، ادخل الجليل الاعلى ضمن حدود الدولة العربية الفلسطينية التي اقرها هذا القرار، فشكل ذلك عازلا بين اسرائيل ولبنان، الا ان اسرائيل لم تلبث ان استولت على الجليل الاعلى دافعة بحدودها نحو الشمل حتى اصبحت ملاصقة لحدود لبنان. من خلال هذه القراءة التاريخية التي سبقت انشاء الكيان اللبناني عام 1920، ثم انشاء الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948، يتبين لنا، بوضوح، الاطماع الصهيونية المزمنة في جنوب لبنان، ويجعلنا نقرأ، بوضوح اكثر، الاستراتيجية الصهيونية القائمة على التوسع شمالا، والمبنية على »اسلوب عمل« اضحى، في الفكر الصهيوني عقيدة راسخة، وهي: الارهاب، بهدف الاحتلال والتوسع. وهذا ما فعله الصهاينة في حربهم عام 1948، في فلسطين، ثم في جنوب لبنان. في قراءة سريعة لاحداث الحرب العربية الفلسطينية الاولى، عام 1948، قرأنا، في بعض الصحف اللبنانية الصادرة في تلك الفترة، ما يلي: 1 نشرت »الحياة« في عددها الصادر بتاريخ 23 منه، ان قوات صهيونية معززة بالمصفحات انطلقت من مستعمرة »المنارة« بتاريخ 22 منه، مستهدفة بلدة »حولا« قصدتهم قوات جيش الانقاذ، وساندتها قوات الجيش اللبناني بمدفعيتها، واستمر القتال حتى غروب الشمس. 2 ونشرت »الحياة« في عددها الصادر بتاريخ 24 منه ان الصهاينة هاجموا »بليدا« طوال يوم 23 منه، إلا ان الجيش اللبناني وجيش الانقاذ تمكنّا من صد هجوم العدو الذي انسحب تاركاً خلفه نحو 160 قتيلا، مع كميات من الاسلحة والعتاد الحربي. 3 واهم من ذلك، البلاغ الصادر عن الجيش اللبناني بتاريخ 2 تشرين الثاني 1948، والذي جاء فيه ان العدو الصهيوني شن هجوماً على الجليل استمر اسبوعاً، وانتهت المعركة في 31 تشرين الاول. »وكانت خطة العدو ترمي الى إبعاد العرب عن هذه المنطقة«. ويروي المجاهد »فوزي القاوقجي« قائد جيش الانقاذ، ما يؤكد ذلك، قال: »راح اليهود يبدون نشاطاً سياسياً في الاراضي اللبنانية. فقد اخبرني فريق من اهالي قرى جبل عامل، القريبة من الحدود، ان وفداً يهودياً يطوف بسيارة، على تلك القرى، ومعه جنديان، يطلب من السكان ان يوقعوا على اوراق مكتوبة بالعبرية يترجمها لهم، وهي عبارة عن اظهار الرغبة في الانسلاخ عن لبنان والانضمام الى »اسرائيل«، فأنبأت الوزارة اللبنانية بالأمر، ولكن اليهود استمروا في نشاطهم... وهذا هدف من الاهداف اليهودية في لبنان، ليدخل الليطاني ضمن نطاق الدولة التي يحلم بها اليهود، منذ مئات السنين« (د. خيرية قاسمية، »فلسطين في مذكرات القاوقجي«، ج2: 276 277). 4 وفي بلاغ صادر عن الجيش العربي السوري ونشرته جريدة »الحياة« بتاريخ 2 تشرين الثاني، أن »قوات العدو أكرهت مراقبي الأمم المتحدة على الجلاء عن مراكزهم في ساحة القتال«. 5 وفي رسالة من مكتب »الحياة«، من ساحة القتال في جنوب لبنان، نشرتها الجريدة بتاريخ 1 ت2، أن العدو الصهيوني »ارتكب الفظائع في القرى، تاركا بعض السكان يفرون الى قرى أخرى«. حولا: تقع »حولا« في »إصبع الجليل«، هذا الإصبع الذي حاول العدو الصهيوني أن يقطعه من جسم لبنان ليضمه إليه بعد أن يطرد أهله ويستبدل بهم يهودا قادمين من أقاصي الأرض، الى هذه الأرض، ولكن حولا كانت عصية عليه. تاريخ حولا زاخر بالمناضلين في سبيل القضايا الوطنية والقومية، وكانت حولا (تلة الشيخ عباد) مركزا لجيش الإنقاذ الفلسطيني بقيادة المجاهد فوزي القاوقجي، وقد انخرط العديد من شبانها في هذا الجيش خلال الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، وخاضوا معارك عديدة أهمها معركة »هونين« حيث سقط الشهيد »حسن مصطفى غنوي« ومعركة »المالكية« حيث سقط الشهيد »علي أحمد شريم«. وكان العدو الصهيوني قد اتخذ من »حولا« هدفا لم يحد عنه طوال هذه الحرب. ففي أيار، دخل الصهاينة البلدة وقتلوا كلا من الشيخ عبد الخالق مزرعاني، وعبد شبيب شريم، ومحمد ياسين، مما دفع قيادة »جيش الإنقاذ« الى التمركز في »حولا« (في تلة الشيخ عباد)، وقد رحب أهل البلدة بالمجاهدين العرب ومدوا لهم يد العون والمساعدة. إلا أنه، في 27 تشرين الأول، انسحب هذا الجيش من البلدة، بعد قتال عنيف مع الصهاينة، على أن تدخلها قوات عربية أخرى لحمايتها. وفي 31 ت1، استغل الصهاينة الفرصة فدخلوا البلدة بلباس »جيش الإنقاذ« (الكوفية والعقال) وكانوا جميعهم من عصابتي »الشتيرن والهاغانا«. ورحب أهل حولا بالقادمين باعتبارهم قوة عربية أتت محل القوة المنسحبة، إلا أنهم سرعان ما تبينوا أن العدو جاءهم متنكرا، فألقى الصهاينة القبض على 85 شابا وكهلا، وعدد آخر من النساء والأطفال، وقسموا الرجال الى ثلاث مجموعات وزعوها على ثلاثة منازل (منزل فارس مصطفى ومنزل حسين يونس ومنزل علي أيوب) ثم عمدوا الى إعدام هذه المجموعات بعد أن أكرهوهم على رفع أيديهم على الجدران، ثم نسفوا المنازل الثلاثة بمن فيها، فاستشهدوا جميعا، باستثناء ثلاثة منهم فقط. وكان يمكن أن يكون مصير النساء والأطفال المصير نفسه الذي لقيه الرجال لولا تدخل مراقبي الأمم المتحدة. (معلومات مستقاة من كتيب أصدرته »رابطة إنماء حولا« عن المجزرة، عام 1998، بعنوان »حولا الشهيدة«). يقول »بن غوريون« في »يومياته« عن هذه الحرب، بتاريخ 31/10/1948: ويعتقد (موشيه كرمل، أحد قادة العدو في الجبهة الشمالية) أنه كان في »جيب« الجليل نحو 60 ألف عربي، من السكان المحليين واللاجئين، هرب نصفهم، وسيهرب المزيد منهم. باتت الجش وصفصاف وسعسع، وجزء كبير من ترشيحا، خالية تماما. هرب القرويون كلهم من القرى التي حاربناها، لكن سيهرب الكثير أيضا« ( دافيد بن غوريون، »يوميات الحرب«، 1947 1949، ص 604)، ويقول بن غوريون، في مكان آخر، وفي »يومياته« بتاريخ 26/10/1948: »العرب أنفسهم مسؤولون عن هروبهم. لا ينبغي إعادتهم، لأنهم سيشكلون طابورا خامسا، وسيحملون في أحشائهم الضغينة. اقتصادهم دمر، وإعادة تأهيلهم ستتطلب مبالغ تفوق طاقة الدولة (العبرية)، ... لتتول حكومات السعودية والعراق وشرق الأردن (القليلة السكان) توطين العرب الذين هربوا، وتوطين المسيحيين في لبنان. يستطيع كل واحد من هذه البلاد أن يستوعب اللاجئين كافة... في رأيهم أن هناك 235 نقطة ينبغي توطين اليهود فيها«. (م. ن. ص 595 596). إن المشروع الصهيوني، لم يكتمل بعد، وان ما رسمته المنظمة الصهيونية من حدود لدولتها لا تزال قيد البحث، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة، في العالم، التي لم تثبّت حدودها، بعد، في نص رسمي، مما يشير الى أن أطماعها لم تنته، وهذا ما يجب أن يشغلنا، نحن العرب واللبنانيين، ويثير اهتمامنا. وبعد: أقرت، وكفر برعم، وقبية، ودير ياسين، وبيت جالا، وكفر قاسم، وصفصاف ومصلحة وعيلبون وكفر عانة، وحولا، واليوم: جنين، ورفح، ورام الله، وبيت لحم، ونابلس وطولكرم... وغيرها وغيرها، سلسلة من الفظائع والمجازر، لا حد لها ولا حصر، ارتكبها الصهاينة على مدى تاريخهم القصير في اغتصابهم لفلسطين. ألا يعد ذلك، في عرف العالم المتمدن والمتحضر، إرهابا؟ وما هو الإرهاب، إذاً، إن لم يكن هو ذلك الذي جرى بالأمس في فلسطين وجنوب لبنان، وهذا الذي يجري اليوم، في الضفة الغربية وغزة، على يد الطغمة الحاكمة في الكيان الصهيوني؟ يوم بدأ المغامرون الذين تقاطروا الى »القارة الجديدة« يتكاثرون، بحيث أصبح بإمكانهم القضاء على السكان الأصليين لهذه القارة (وهم من سُموا الهنود الحمر) وكان عدد هؤلاء، في مطلع القرن الميلادي السابع عشر، نحو 850 ألف نسمة، موزعين على نحو 300 قبيلة، إلا أن حياتهم كانت بدائية، ولم يتورع »القادمون الجدد« عبر البحار التي اجتازها »كريستوف كولومبوس« ذات يوم، ليكتشف العالم الجديد، عن أن يقوموا بما لم يرد في ذهن ذلك المغامر المكتشف، وهو: أن يسعى هؤلاء »المغامرون الجدد« الى إبادة الشعب الأصلي، في »القارة المكتشفة« كي يحلوا محلهم، ويقيموا في وطن لم يكن أصلا لهم، دولة جبارة طاغية تسعى الى تدمير الشعوب المغلوبة على أمرها، والسيطرة عليها، واستعبادها. ترى، هل يحلم الصهاينة بأن يقلدوا، في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، ما قام به »المعلم الأميركي الأول« في القرن السابع عشر؟ ترى، أوَلا يجد السيد الأميركي في التلميذ الصهيوني، في ما قام به في فلسطين عام 1948، وفي ما يقوم به، اليوم، في الضفة الغربية وغزة، صورة للتلميذ النجيب الذي حفظ الدرس وأتقن الدور وأجاد التمثيل؟ وإلا، فكيف يمكن للإدارة الأميركية أن تدعم أعمالا إرهابية، بامتياز، يقوم بها جيش شارون، في الضفة وغزة، حيث يقتل الشيوخ والنساء والأطفال، ويغتال الرجال، ويدمر مئات المنازل، ويسعى جاهدا لكي يقضي على كل أمل بالحياة للشعب الفلسطيني، في موطنه، وعلى أرضه؟ كيف يمكن أن يكون الفلسطيني الذي يدافع عن أهله وأرضه وعرضه إرهابيا، في نظر الإدارة الأميركية، ويكون المعتدي المجرم المحتل في موقف الدفاع عن النفس؟ وهل كان »واشنطن« يوم قاتل المحتل البريطاني، إرهابيا؟ وهل كان »ديغول« يوم قاتل المحتل النازي، إرهابيا كذلك؟ كيف يمكن أن يكون الفلسطيني الاستشهادي إرهابيا، وهو الذي، لو قُدر له أن يقتني سلاحا يدافع به عن أهله وأرضه وعرضه، لما فجر نفسه؟ أوَليس مخجلا، حقا، أن نسمع عربا يُدينون »العمليات الاستشهادية« الفلسطينية، فيعتبرونها »إرهابا«، وهي، في الحقيقة، أسمى وأنبل ما يمكن أن يقدمه مناضل لشعبه وأمته: دمه وروحه؟ بينما يلوذون بالصمت المطبق تجاه ما يقترفه المحتل من جرائم بحق الشعب الفلسطيني؟ الإرهاب الصهيوني، وليد الإرهاب الأميركي، ووليد الذل العربي، وليد الخزي والعار اللذين يلفاننا جميعا، من المحيط الى الخليج، ثلاثمئة مليون من الجثث المتحركة التي تنتظر، كالشاة، مصيرها الأسود (نستثني منها، بلا شك، نضال الشعبين: الفلسطيني والعراقي)، فإلى متى؟ (*) لواء ركن متقاعد (1) مقتطفات من كلمة ألقيت في حولا، بمناسبة مرور 55 عاماً على المجزرة التي ارتكبها الصهاينة في هذه البلدة اللبنانية.