تدخل إلى «حي الملولة» في بلدة ميفدون الجنوبية، تبحث بين زواياه عن أنواع الأشجار المزروعة، أشجار مثمرة بمعظمها، ولكن ملولة كبيرة تستوقف المارة، تتربع في دار رشيد رطيل (أبو محمد)، وتحكي بصلابتها وشموخها، ما مرّ على المنطقة منذ ما يزيد على الألف سنة، لـ«تسرق» اسم المحلة والشارع والمكان، فيسمى بحي الملولة. ينهمك أبو محمد بتنظيف الأوراق من تحت «ملولته» في فصل الخريف، نافضاً غبارها الذي يرهقه مع هبوب النسيم، فيترك المساحة لرائحة السنديان تعبق في المكان. «عمرٌ مرّ عليها، شكلها وحجمها الكبيران يستوقفان الغرباء عن البلدة»، كما يقول. أما أهل الدار فيعرفون قصتها منذ أكثر من مئة سنة، عندما اشترى والد رشيد رطيل قطعة أرض فور عودته من أميركا، وكانت الملولة مزروعة فيها وتحرسها. بنى ابو رشيد منزله بمحاذاة الملولة، ولم يقبل أن ينزع منها غصنا صغيراً، ومع الأيام كبرت العائلة وأصبح المنزل يعود بملكيته لرشيد، والملولة الكبيرة معلمه الأبرز، الذي يُعنون المنزل «حد الملولة الكبيرة بعد الساحة». يزيد ارتفاع شجرة الملول اليوم عن ثمانية عشر مترا، ويصل قطرها إلى ثلاثة أمتار. أما في الماضي فقد كان حجمها أكبر بكثير، قبل أن يستهدفها القصف المدفعي الإسرائيلي أكثر من مرة، ما قضى على الكثير من أغصانها الشامخة. ومع تدمير منزل رشيد «أكثر من مرة بسبب استهداف الملولة»، كما يقول، «أبت الملولة أن تسقط، بعدما سقطت مثيلتها في بلدة دير سريان في العدوان الأخير، لتصبح الشجرة المعمرة الأبرز في قضاء النبطية»، ما دفع ببلدية ميفدون وتكريما لها، تسمية الحي الذي فيه بـ«حي الملولة». لا يعرف أبو محمد رطيل عمرها الحقيقي، ولكنه يؤكد كما أفادته لجنة فرنسية ضمت مهندسين زراعيين، أتوا لزيارة الملولة، قدروا عمرها بألف ومئة سنة. ونظرا لحجمها الكبير، يوقن كثيرون أن عمرها حقيقي، ولأنها نوع من السنديان يتوقعون أن تعيش أكثر، خصوصاً أن صلابة جذعها تمنع عنها «السوس» والأمراض التي يمكن أن تقضي عليها. واللافت أن الجزء السفلي من جذع الملولة، ويصل ارتفاعه إلى خمسة أمتار، بات «أشد صلابة من الحديد»، ولا يمكن قطعه بسهولة، والاخضرار يقتصر على الأجزاء العلوية منها فقط. ولا تحتاج الملولة إلى رعاية، إضافة إلى مقاومتها الكبيرة لظروف الطقس والمناخ والأمراض. وتــشتهر دول البحر المتوسط، ومنها لبنان، بهذا النوع من الأشجار، وتعتبرها الأردن شجرة وطنية شاهدة على التاريخ. ويعتبر شرقي حوض البــحر المتوســط وشمال العـراق وإيران وتركــيا الموطن الأصلي لشــجرة الملول، كما تنتشر في مناطق مختلفة من العالــم، حيث تكثر في جنوب إيطاليا ومنطقة البلقان وسوريا وفي المنطقة الساحلية من فلسطين المحتلة. وتتميز ثمارها وأوراقها بقيمة غذائية وعلفية وطبية وصناعية. إضافة إلى أن خشبها يستعمل في إنتاج العديد من أنواع الفحم والصناعات الخشبية لجودته المعروفة. وتنتشر أشجار الملول في لبــنان في المنـاطق التي يزيد ارتفاعــها على الخــمسمئة متر، وفي معظم أحراج قضاء حاصبيا، ومــنها ما يزيد عمــره عن الألفي سنة. و«تقوم مصلــحة الزراعة في النبــطية عبر مراكز الأحراج في الأقضية، بصيانتها دورياً ومكافحة الأمــراض التي يمكن أن تفتــك بها للمحافظة عليها كمعــلم تراثي زراعي»، كمـا يقول مدير المصلحة المهندس الزراعي هادي مكي. يضيف: «أشجــار الملول تنــتشر في خــلوت البياض، وفي بلدة الكفير ومحمية يارون، حيث تتـنوع الأحراج. وتنتمي أشجار الملول إلى فصيلة السنديان وأشجار الصنوبر». ويلجأ المزارعون إلى زراعتـها لإمكانية تطعيمها بشجرة الكستناء، لأنها من الأشجار القوية والمقاومة للتغيرات المناخية، يفضل زراعتها في التربة الخفيفة والمتوسطة كما أنها تتحمل التربة الضحلة والجافة. وتتكاثر طبيعيا من البذور الساقطة على الأرض. ويعتبر أفضل وقت لزراعتها بين كانون الثاني وآذار وحسب سقوط الأمطار وموقع الزراعة.